المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعقلها وتوكل



♥ρėŧŧу ςαŧ♥
02-05-2012, 03:58 PM
أيها المسلمون، يطالعنا الإعلام هذه الأيام بكلمة تتردد كثيرًا على الأسماع، كلمة عاش الكثير من الناس مبناها دون معناها، فُهمت على غير مرادها كثيرًا، وكثيرًا ما فهمت ولم يعمل بها.

روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي ومعه ناقته فقال: أعقلها وأتوكل، أم أتركها وأتوكل؟ قال النبي : ((اعقلها وتوكل)).

أيها الإخوة، لقد رجعت أحوال كثير من المسلمين إلى التخلف والضعف؛ لأنهم لم يعيشوا مع أوامر النبي قلبًا وقالبًا، وإنما عاشوها كلمات مجردة ولم يقيموها في حياتهم.

إن التوكل ـ أيها الفضلاء ـ ليس مَدعاة أبدًا للكسل والخور والضعف، أو أنه مدعاة للتهوُّر والطيش، بل التوكل مدرسة عظيمة تربي المسلم على الصلة الحقيقية والمستمرة بالله عز وجل.

أيها الأخ المبارك، لقد أوتي النبي جوامع الكلم، فرسم لهذا الرجل الذي جاءه يريد أن يترك الأسباب ويتوكل، رسم له الطريق واضحًا له وللأمة من بعده بكلمتين يسيرتين، بل كلمتين عظيمتين: ((اعقلها وتوكل)).

((اعقلها وتوكل))، قال ابن عباس: (التوكل هو الثقة بالله). وصدق، التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك. وقال الحسن: "إن من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته". وقال الإمام أحمد: "هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق".

((اعقلها وتوكل))، يقول ابن مسعود: (إن من ضعف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تطعمهم ما لم يؤتك الله. إن رزق الله لا يَجُرّه حِرْصُ حريص، ولا ترده كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط).

((اعقلها وتوكل))، روى الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصًا وتروح بطانًا)).

((اعقلها وتوكل))؛ لأن التوكل هو حال المؤمن القوي الذي يجب أن يكون وثيق العزم مجتمع النية على إدراك هدفه بالوسائل الصحيحة التي تقربه إلى الله، وباذلاً قصارى جهده في بلوغ مَأْربه، ليس بالتفريط المعيب والتخاذل الذميم. عن عوف بن مالك قال: قضى رسول الله بين رجلين، فلما أدبرا قال المقضي عليه: حسبي الله ونعم والوكيل، فقال : ((إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكَيْس ـ العقل والفطانة ـ فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)) رواه أبو داود وضعفه الألباني.

إذًا فالمرء إذا غُلب على أمره في أي مشكلة من أي نوع فإنه بعد استفراغ جهده يكون ركونه إلى الله عندئذ معاذا يعتصم به من غوائل الانكسار، فهو على الحالين قوي: بعمله أولاً، وبتوكله ثانيًا.

أيها الإخوة المؤمنون، التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجود والأفلاك والأكوان، فكل ذلك محكوم بحوله وقوته سبحانه.

((اعقلها وتوكل))؛ فالتوكل قطع القلب عن العلائق، ورفض التعلق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محول الأحوال ومقدر الأقدار لا إله إلا هو. إنه صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجَد منه الجد.

((اعقلها وتوكل))؛ لأن التوكل صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله، وأمل يصحب العمل، وعزيمة لا ينطفئ وهجها مهما ترادفت المتاعب.

بالتوكل تُرفع كَبوات البؤس، وتُزجر نزوات الطمع، فلا يكبح شَرَهَ الأغنياء ولا يرفع ذلَّ الفقراء سوى التوكل الصادق على الحي الذي لا يموت، يقول سعيد بن جبير رحمه الله: "التوكل على الله جماع الإيمان".

المتوكل على الله ذو يقظة فكرية عالية ونفس مؤمنة موقنة، قال بعض الصالحين: "متى رضيت بالله وكيلاً وجدت إلى كل خير سبيلاً"، وقال بعض السلف: "بحسبك من التوسل إليه أن يعلم قلبك حُسن توكلك عليه".

التوكل الذي يَقْوى الإنسان به ضرب من الثقة بالله، ينعش الإنسان عندما تكتنفه ظروف محرجة، ويلتفت حوله فلا يرى عونًا ولا أملاً.

التوكل غذاء الكفاح الطويل الذي قاوم به النبيون وأتباعهم ودعاة دينهم مظالم الطغاة وبغي المستبدين، كما بيّنه الله تبارك وتعالى: وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا اذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ [إبراهيم:12].

((اعقلها وتوكل))؛ فالتوكل الحق قرين الجهد المضيء والإرادة المصممة، وليس العجز والكسل، ولم يتحول معنى التوكل من القوة والحزم إلى الضعف والتواكل إلا في العصور التي ضعف فيها الدين وأصبح بين أتباعه لهوًا ولعبًا.

أيها المؤمنون، إن أول بواعث التوكل ومصادره توحيد الله وإفراده بالعبادة، فالرب المعبود سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى: وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [الشعراء:217-220].

والتوكل أجمع أنواع العبادات وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها، وما ذلك إلا لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة والرضا العميق واليقين الثابت، ولقد جاء الأمر به في كتاب الله في أوجه مختلفة وسياقات متعددة، بل لقد جعله شرطا للإسلام والإيمان، يقول سبحانه وتعالى: إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:84]. قال أهل العلم: "فدل ذلك على انتفاء الإسلام وكذلك الإيمان بانتفاء التوكل"، ويقول لنبيه محمد : وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب:3]، ويقول له ولصحابته رضوان الله عليهم: ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ [آل عمران:173]، ويقول جل وعلا في جزاء المتوكلين: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْرًا [الطلاق:3].

هذا هو التوكل في حقيقته وأثره، وما كان أبدًا تواكلاً ولا اتكالية، وما كان ضياعًا ولا إهمالاً للسنن والأسباب.

أيها الفضلاء، إن تحقيق التوكل لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب البينة، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة لله، والتوكل على الله بالغيب إيمان بالله، فالمتوكلون في كتاب الله هم العاملون، وإمام المتوكلين نبينا محمد رأينا في سيرته الأخذ بالأسباب، فقد اختفى في الغار عن الكفار، وظاهَرَ في بعض غزواته بين درعين، وتعاطى الدواء، وقال: ((من يحرسنا الليلة؟))، وأمر بغلق الباب وإطفاء النار عند المبيت، وقال لصاحب الناقة: ((اعقلها وتوكل))، وقال سبحانه وتعالى لنبيه لوط عليه السلام: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ ٱلَّيْلِ [هود:81]، ونادى أهل الإيمان: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ [النساء:71].

((اعقلها وتوكل))؛ فليس التوكل بإهمال العواقب واطراح التحفظ، بل ذلك عند العقلاء والعلماء عجز وتفريط، يستحق صاحبه التوبيخ والاستهجان. لقد جاء أمر الله بالتوكل بعد التحرر واستفراغ الوسع حين قال سبحانه: وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ [آل عمران:159]، المؤمن هو من يجمع بين فعل الأسباب والاعتصام بالتوكل، فلا يجعل عجزه توكلاً، ولا توكله عجزًا، إن تعسر عليه شيء فبتقدير الله، وإن تيسر له كل شيء فبتيسير الله.

المسلم المتوكل يخرج من بيته متوجهًا إلى عمله ومهنته، تَزْدلف قدمه من عتبة بابه وهو يقول: "باسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أزلَّ أو أُزَلّ، أو أَضل أو أُضَل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يجهل علي".

أيها الفاضل، ثمة موطن من مواطن العمل، لا يكون على وجهه ولا تتحقق غايته إلا حينما يكون التوكل لله عموده. إنه موطن الصبر والثبات على المواقف وعدم التنازل عنها، وهو الذي يحمل عبأه أنبياء الله عليهم السلام ومن اقتفى أثرهم من أهل العلم والدعوة والإيمان والصلاح والإصلاح، فهم حين يتعرضون لمخاوف مزعجة لا يثبتون على الروع والغبن إلا لأملهم في الله واستنادهم عليه، لا يثبتون إلا بالتوكل الذي ينير أمامهم ظلمات حاضرهم، ويعينهم على مواجهة الأخطار بعزم وثقة واطمئنان، وما نراه من صبر وثقة بالله لدى بعضهم أمرٌ قد يستغربه الضعفاء الواهنون ويستنكرونه، ولذلك حين قال موسى وهارون عليهما السلام بعد أمر الله لهما بدعوة فرعون: رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ [طه:45]، أجابهما جل وعلا: قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ [طه:46]. إنه الشعور الكبير والعميق برعاية الله وعنايته؛ ذلكم هو المؤنس في الموحشات والمشجع في الرهبات.

((اعقلها وتوكل))؛ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا [إبراهيم:13]، هذه المقولة التي تتردد عبر التاريخ من أعداء الدين في كل زمان ومكان، وقد جاء الجواب على لسان خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام بقوله تعالى: قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ [الأعراف:89]. هذا هو المجد الشامخ، والذي لا يناله إلا نفر من المؤمنين المتوكلين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [الملك:29].

اللهم بك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، فاغفر لنا وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.

rwana
02-05-2012, 11:44 PM
جزاكى الله خير

BECKHAM
03-05-2012, 12:37 AM
جزاكى الله كل خير

♥ρėŧŧу ςαŧ♥
20-08-2012, 12:21 AM
وجزاكم اياه
نورتوا