المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طــــريق الإيــــــمان



Don't play with me
09-12-2010, 06:57 PM
الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله ، إله الأولين و الآخرين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، و أمينه على وحيه ، وخيرته من خلقه ، محمد بن عبدالله ،وعلى آله ، وصحبه أجمعين .. وبعد :



قال جرير يمدح الخليفة الوليد بن عبد الملك :

وأدّت إليكَ الهندُ مافي حُصونِها * ومن أرض صين استان تُجبَى الطَّرائفُ

وأرض هِرَقل قَد قهرت وداهراً * وتَسعى لكم من آل كسرى النواصِفُ



إن خضعان الهند و الصين و الروم و الفرس ودخولها في دين الله ؛لم يكن نتيجة ركون إلى الدنيا ، أو معاهدات مع أعداء الله ورسوله ، أو دخول في أحلاف مشبوهه ، ... إنما كان ثمرة يانعة من ثمار الجهاد في سبيل الله تعالى .



إن الجهاد في الإسلام له مكانة خاصة ، ومنزلة سامية ، وإن الإنسان ليعجب من كثرة النصوص الدالة على فضله ، واستفاضتها وثبوتها ، صحة ودلالة ، ومع ذلك تنكبه عامة المسلمين اليوم ،فركبهم من الذل و المهانة ،مالم يمر على هذه الأمة ، من بعثة بنبيها صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا مثله .



ولما يترتب على الجهاد من مصالح عظيمة ، ونفع للأمة في معاشها ومعادها ؛ لأجل ذلك جاء في فضله ، وثواب فاعله نصوص كثيرة حتى قال شيخ الإسلام : " لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه " 28/353 ، وقال أيضاً : " والأمر بالجهاد ، وذكر فضائله في الكتاب و السنة ؛ أكثر من أن يحصر ، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان ، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج و العمرة ، ومن صلاة التطوع ، و الصوم التطوع ، كما دل عليه الكتاب و السنة " .

وقال رحمه الله : " نفع الجهاد عام لفاعله ، ولغيره ، في الدين و الدنيا ، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة و الظاهرة ، فإنه مشتمل من محبة الله تعالى ، والإخلاص له ، والتوكل عليه ، وتسليم النفس و المال له ، و الصبر و الزهد ، وذكر الله ، وسائر أنواع الأعمال على مالا يشتمل عليه عمل آخر " ، وذكر – رحمه الله – أن في الجهاد سعادة الدنيا و الآخرة ، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما . 28/354



والآن إليك أخي القارئ طائفة من تلك النصوص المضيئة :



1. عظم الله أمر الجهاد ، وذم التاركين له ، ووصفهم بالنفاق ، ومرض القلوب ، قال تعالى : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم " الآية ، وقال تعالى : " فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت " الآية .



2. أثنى الله على أهل الجهاد وعظمهم في سورة الصف حيث يقول " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " الآية .



3. وقال تعالى : " من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم .." الآية .



4. وقال تعالى : " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظماً ولا نصب ولا مخمصة .. " الآية .



5. اعتبر الله تعالى أن الذي قتل في سبيل الله مازال حياً " ولكن لا تشعرون " ، قال تعالى : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " وقال سبحانه : " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ... " الآية .



إن هذا المفهوم ؛ مفهوم إسلامي تفرد به الإسلام ، كيف يقتل الرجل ، ويبقى حياً ! في مفهوم الأمم السابقة من قتل فقد مات وانتهى أمره ، أما في الإسلام فالذين قتلوا في سبيل الله ؛ أحياءلهم كل خصائص الأحياء ، فهم يرزقون ، وهم فرحون ، وهم يستبشرون، إنها حقيقة كبيرة ، ذات قيمة ضخمة ، وآثار عميقة في مشاعر المؤمنين ، واستقبالهم للحياة و الموت ، وتصورهم لما هنا وما هناك ، كما يقول الاستاذ سيد قطب . يقول الاستاذ الأديب سيد قطب عن الشهداء : " لا يجوز أن يقال عنهم أموات ، لا يجوز أن يعتبروا أمواتاً في الحس و الشعور ، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة و اللسان ، فهم أحياء بشهادة الله سبحانه ، فهم لابد أحياء .

إنهم قتلوا في ظاهر الأمر ، وحسبما ترى العين ، ولكن حقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة .. 1/143



ننتقل إلى السنة :

إن حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حافلة جداً بالعناية بالجهاد ، عناية عملية و قولية .

فقد بدأ الجهاد في مرحلة مبكرة من مراحل دولته الجديدة في المدينة ، بدأ به بعد سبعة أشهر من هجرته صلى الله عليه وسلم ، سبعة أشهر فقط ، وليس بعد سبع سنين ، وكان أول لواء عقده صلى الله عليه وسلم ؛ لواء أبيض ، عقده لحمزة بن عبد المطلب ، في شهر رمضان ، على رأس سبعة أشهر ، من مهاجره وكان حامله أبو مرثد كناز بن الحصين ، حليف حمزة ، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة ، يعترض عيراً لقريش ، جاءت من الشام ، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل .

ثم توالت بعد ذلك غزواته وسراياه وبعوثه ، فبلغت غزواته نحو سبع وعشرين غزوة ، قاتل منها في تسع : بد ر، وأحد ، و الخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، و الفتح ، وحنين ، و الطائف ، أما سراياه وبعوثه فقريب من ستين .



وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف : مأثور، و العضب، وذو الفقار (وكان لا يكاد يفارقه) ، و القلعي ، و البتار ، و الحتف ، و الرّسوب ، و المخذم ، و القضيب .

( قلت : ويستفاد من ذلك استحباب تسمية المجاهد لسلاحه الذي يقاتل به )

وكان له صلى الله عليه وسلم سبعة أدرع :

ذات الفضول ( وهي التي مات وهي مرهونة عند يهودي ) ، وذات الوشاح ، وذات الحواشي ، و السعدية ، و فضة ، والبتراء ، و الخرنق .

وكان له ست قسيّ ، وجعبة ، وترس ، وخمسة رماح ، ومغفر ، وراية سوداء ، وبيضاء ، وصفراء ، وثلاث جباب يلبسها في الحرب .

و المقصود من ذلك كله ؛ بيان عنايته صلى الله عليه وسلم بأمر الجهاد ، ومبادرته به ، وجعله من أهم أعماله ، و الاستعداد له ، واجتماعه عليه صلى الله عليه وسلم .



هذه سنته وطريقته ، هو وأصحابه خلافاً لما عليه المسلمون اليوم حكاماً وشعوباً . وإن نظرة سريعة إلى حال الأمة اليوم مع الجهاد ؛ لتُفسر ما وصلت إليه من ذل ومهانة .



هذه مقدمة قصيرة ، الغرض منها بيان شدة عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الجهاد عناية عملية .



أما اهتمامه به قولاً وتشريعاً ؛ فهو كثير جداً ،ومنه ما يلي :



1. قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمائة درجة ، ما بين الدرجة و الدرجة ؛ كما بين السماء و الأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله " متفق عليه .



2. وقال عليه الصلاة و السلام : " من اغبرت قدماه في سبيل الله ؛ حرمه الله على النار " رواه البخاري .



3. وقال أيضاً : " رباط يوم وليلة في سبيل الله ؛ خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان " رواه مسلم .



4. وقال رجل لرسول عليه الصلاة والسلام : يا رسول الله أخبرني بشيء يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيع . قال : أخبرني به ؟ ، قال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر ، وتقوم لا تفتر ؟ قال : لا ، قال : فذلك الذي يعدل الجهاد " متفق عليه .



5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجتمع كافر ، وقاتله في النار ، أبداً " رواه مسلم .



6. وعن أبي موسى الأشعري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف " فقام رجل رث الهيئة ، فقال : يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال : نعم ، فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسر جفن سيفه فألقاه ، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل " رواه مسلم .

فهذه – أخي – بعض النصوص في فضل الجهاد ، وقد اخترت الأحاديث التي في الصحيحين ، أو احدهما ، وتركت من الأحاديث الصحيحة ، التي خارج الصحيحين شيئاً كثيراً طيباً ، لا يسع هذا المقام ، لذكره كله ، لطوله وكثرته .



و النصوص السابقة إنما هي في فضل الجهاد .



أما فضل الشهادة و الترغيب فيها فشيء آخر ، وهو أعظم وأجل :



1. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وإن له ما على الأرض من شيء ، إلا الشهيد ، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ، فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " متفق عليه .



2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " و الذي نفسي محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل " متفق عليه .



3. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " رواه مسلم .



4. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت الليلة رجلين اتياني فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل ، لم أر قط أحسن منها ، قالا لي : أما هذه فدار الشهداء " رواه البخاري .



5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ، تعلق من ثمر الجنة ، أو شجر الجنة " رواه الترمذي وصححه ، وتعلق : أي ترعى من أعالي شجر الجنة .



6. وعنه - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما يجد الشهيد من مس القتل ؛ إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي وصححه .



7. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته " رواه أبو داود وصححه ابن حبان .



وبعد فهذه النصوص لا تحتاج إلى تعليق ، وقد تركت شيئاً كثيراً ، ولا يمكن استيفاء ذلك في مقالة واحدة ، إنما المراد التنبيه إلى فضله ، و العناية بنصوص الصحيحين ، ومن أراد أن يقف على فضله مستوفياً ؛ فعليه بزاد المعاد ، أو ترغيب المنذري ، أو مشارع الأشواق ، إلى مصارع العشاق ، لابن النحاس .