رسالة إلى "مساجين العادة".. قصة نجاح
قصص نجاح

من موقع إسلام ونلين

القصة
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا شاب أبلغ من العمر 22 سنة، أكتب لكم وأنا في قمة السعادة، وأشعر أني أطير من السعادة والفرح، وطبعا تعجبون من ذلك فإن كل من يكتب في هذا الركن يكون قد علته الكآبة والحزن والمشاكل التي يظن أنها ليس لها حل.

وإليكم قصتي فتدبروها فإن تحت كل كلمة معانيَ جمة.. أنا شاب عمري 22 سنة ما تركت معصية إلا وقد فعلتها.. شهوات وخمور ومواقع إباحية وعادة سرية، وكل ما تتخيله نفسك وكل ما لا تتخيله قد فعلته؛ فكل شيء كان ميسرًا لي تيسيرا غريبا، كل الناس يئست من صلاحي؛ حتى إنني بدأت أشعر أني لست مخلوقا لهذا كله، وأعلنت التوبة النصوح، وبالفعل تركت ذنوبا لم أكن أتخيل أني في يوم من الأيام سأتركها، كنت أشعر أني سجين والشهوات هي الجلاد. ولكن هناك شيئين لم أستطع تركهما وهما المواقع الإباحية والعادة السرية، ولكني منذ سنة تقريبا لا أمارسهما قط.. أتدري لماذا؟ إلى كل المسجونين لديهما لدي الحل للجميع.. صدقوني لدي الحل.. فقط أعيروني قلوبكم وأسماعكم.. وسترون ماذا سيحدث.

أيها الفتية والفتيات اعلموا تمام العلم أنكم تتعاملون مع رب كريم حليم كتب على نفسه الرحمة لعباده، ولكن ترى ما هذا العذاب الذي نحن فيه؟ إنه من عند أنفسنا، إن الله لا يريد منا إلا الجهد فقط، ولا تظنون أنكم ستنالون شيئا كريما في الدنيا والآخرة إلا بالجهد، اسألوا العظماء كيف وصلوا إلى القمة، إن الله كتب ألا ننال شيئا إلا بالعمل، المشكلة تكمن فينا في الضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرار، واعلموا أن الله قال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ولأنك مكلف بترك العادة السرية وغيرها من الشهوات التي أصابتنا حديثا نتيجة للعولمة الفكرية إذن فأنت تستطيع حقا تركها.

ومن هذا المنطلق تركت العادة السرية، كنت طوال هذا الفترة أقنع نفسي أني أقوى منها بكثير، وكذالك المواقع الإباحية، فمثلا عندما أردت ترك تلك المواقع قمت بتنصيب برنامج يسمى ، وكتبت الكلمة السرية عشوائيا حتى لا أحفظها، ومن ثم لا أستطيع فكه من على جهازي وأدخل إلى المواقع الإباحية مرة أخرى.. وبهذا مكثت مدة كبيرة لا أستطيع أن أدخل إلى هذه المواقع، فضلا عن تنقية الإعلانات، وفرحت أشد الفرح لهذا؛ لأني أيقنت من نفسي أني فعلا أريد أن أتخلى عن هذا الشهوات وأتركها.

لا تتخيلوا -أيها الإخوة الكرام- كم أعانني الله الكريم؛ حيث إني كنت مرة على جهاز وحدي، وكانت الفرصة متاحة جدا لدخولي مرة أخرى، ولكن سد الله الطريق أمامي بطريقة غريبة؛ حيث إن وصلة النت حينها كانت تالفة، فقلت: سبحان الله والحمد لله رب العالمين، أعلمتم أن الله لا يريد منا سوى اتخاذ الخطوات العملية لذلك، وهكذا العادة السرية تركتها بالصبر عليها، وإليكم الخطوات العملية لذلك:

1- تدبر ما بعد الشهوة، اعلم أن العقل من الجنود القوية للإيمان، فلو أنك حكمت عقلك لمدة لحظات؛ فماذا سيحدث بعد الشهوة من هم وغم وكرب وضيق لما أقدمت على هذا الشهوة؟ فلو أن أحدا قال لك: كل طبق العسل هذا وأنت تعلم أن فيه سمًا فتاكًا.. فهل تأكله؟ بالطبع لا حتى ولو كنت تشتهي العسل، وما قولك في مريض أشار عليه الطبيب بترك اللحم ثلاثة أيام ليصح ويتهيأ طوال العمر؟ أيأكل اللحم ثم يلزمه الألم أبدا؟!

2- عدم اليأس وإن تبت وعدت إلى الذنب ألف مرة، فعندما سئل سعيد بن المسيب عن تفسير قول الله {إنه كان للأوابين غفورا} قال: الذي يتوب، ثم يعود، ثم يتوب، ثم يعود، وإن الله لا يمل حتى تملوا. ولكن بشرط أنه في كل مرة تكون صادقا في عدم العودة، وعودتك ما هي إلا ذلة منك، وهذا ما حدث لي بالفعل مع العادة السرية وغيرها..

3- اختبر نفسك.. هل أنت تريد حقا وصدقا ترك الشهوات؟ اختبر نفسك بأنك هل اتخذت خطوات عمليه لذلك أم لا؟ لقد ظللت شهورا أدعي أني أريد أن أترك زيارة المواقع الإباحية، ولكني لم أستطع، ولكني اكتشفت أني فعلا ما كنت أريد تركها، ولكن ترى عندما كنت صادقا حقا في رغبتي لتركها تراني أني نصبت هذا البرنامج الرائع.. وأعانني الله حقا على تركها ولم أعد لها حتى الآن والحمد لله رب العالمين.

4- لذة الإيمان تفوق لذة الشهوات بكثير، وإن أهل الطاعات في نعمة لو علم أهل الملوك حلاوتها لقاتلوهم عليها بالسيوف، ولكن لا تنال هذه اللذة إلا بالجهد والمثابرة؛ فإن لذة الشهوة ولذة العبادة لا تجتمعان في قلب، وإن مما جعلني أصبر كثيرا على المواقع الإباحية هذه أني بسببها سأحرم من النظر إلى وجه الله تعالى.

بالله عليك النظر إلى وجه خالق هذا الكون العظيم لا يستحق منك الصبر على النظر إلى زانية أو زان؟! تدبر هذا الأمر، وإنه لمعين لك على الطريق، إن رسول الله أخبرنا بحالنا هذا بكلمة واحدة "سيأتي زمان على أمتي القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر"، بالله عليكم هل من تشبيه لحالنا أدق من هذا التشبيه؟ وأكمل الحديث "أجر الواحد منهم بخمسين منكم" يخاطب بذلك الصحابة رضوان الله عليه.

إياك أن تتخيل أن الله سيضيع أجرك وأجر صبرك، فإن الله أخرج من النار عبدا فعل مثقال ذرة من خير، لم يضع عليه مثقال الذرة؛ فهل يضيع صبرا لا تستطيع الجبال تحمله؟! حاشاه وهو أرحم الراحمين.

5- الدعاء: إن الله إذا أنزل البلاء بالعبد نادته الملائكة، وقالت: أي رب أتبتليه وهو عبدك؟ فيقول: "لأسمع صوته وهو يدعوني" فهذه هي غاية البلاء.. وحتى يعلم أنك رجل أم لا.. فأرِ الله منك ما يسر الله بك، وعليك بالدعاء، بالله عليك ما بالك بعبد يظل طوال الليل يدعو ربه، ويقول: اللهم نجني من نفسي، واكفني شر نفسي، ماذا سيكون صباحه إلا صباح المتقين؛ فإن الطاعة ثمرة طاعة قبلها، والمعصية ثمرة معصية قبلها، فاستعن بالله وارجُه أن يصرف عنك، والله سميع قريب.

إخوتي في الله، وصيتي الأخيرة لكل من أدمن منكم معصية: "أنت أقوى منها، بل أنت تستطيع تركها ولكنك أنت لا تريد، لو أردت لبعدت، ولو بعدت لنجوت" هل تريد حقا ترك هذه المعصية أم لا؟ هذا الباب أمامك مفتوح فادخل وضع يدك في يد الله وامض في الطريق.

تعليق

لقد فرحت بهذه الرسالة مثل فرحك أو أشد؛ لأننا في حاجة إلى أن نستمع إلى قصص النجاح كما نستمع أحيانا إلى قصص الإحباط والفشل، نحتاج إلى تلك القصص التي يستطيع الإنسان أن يسيطر فيها على شهوته، وينجح في التغلب على العديد من أخطائه وسلبياته، ويفك الأغلال والسلاسل التي كانت عليه.

وفي رسالتك لطائف عديدة ومعان جميلة أريد أن أذكرها وأعلق عليها؛ تأكيدًا لها وتوضيحًا لبعض النقاط التي جاءت فيها:
أولا: إعمال العقل والتفكير في حال الإنسان بعد الشهوة وما يصيبه من هم وحزن، وهذه الطريقة موجودة عند المتصوفة كإحدى الطرائق النفسية للامتناع عن المعصية، ولكني أحب أن أقول بأنه أحيانا لا تكفي هذه الطريقة بمفردها؛ ففي بعض الأحيان ومع التمادي في المعصية يختفي ألم ومرارة الشعور بالذنب؛ فهنا يحتاج الأمر إلى العودة إلى تأكيد استقباح الذنب والشعور بفداحته وخطرة على نفس الإنسان وقلبه وعقله.

ثانيا: تذكيرك بأنك بالنظر إلى هذه المواقع سوف تحرم من النظر إلى وجه الله هذا من الموانع الجميلة التي تمنع الإنسان من الدخول على هذه المواقع.

ثالثا: الحديث الشريف: "إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم، للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم" قيل: بل منهم يا رسول الله. قال: "لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا" (أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن ماجه).

وهنا ورد في ذهني تساؤل قد طرحته في مرة سابقة: ما هو السبب في مشقة هذه الأيام؟ هل هي صعوبة التكاليف أم نحن بني الإنسان الذين أفسدنا في هذه الأرض، أو على الأقل تهاونا في مواجهة الفساد؛ فكانت النتيجة صعوبة التكاليف؟ وهذا من السنن الكونية النفسية التي أنا بصدد الحديث عنها والكتابة فيها.

وقد قدر علينا نحن -بني الإنسان- أن نتحمل أخطاء بعضنا البعض؛ لأننا خلفاء الله في هذه الأرض، إذا كانت هذه الأخطاء عامة وليست شخصية. إن الله سبحانه وتعالى ذكر عن حالة بني إسرائيل في منعهم من الصيد يوم السبت، وذكر هذه الفتنة الشديدة، ثم عقب سبحانه وتعالى بقوله {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}؛ ففسق الإنسان هو الذي يعرضه إلى مصاعب ومشقة التكاليف، وأما من يسعى لإصلاح هذه المفاسد والأخطاء مرة أخرى فله أجر خمسين بإذن الله؛ لأنه يتحمل مسئولية إصلاح هذه الأخطاء التي تسبب فيها غيره.

رابعا: إياك أخي الكريم أن تظن أن المعركة مع عيوبك وأخطائك والشيطان قد انتهت؛ فهذا من بدايات الغرور الذي يدخله الشيطان على الإنسان حتى يصيبه بحالة من الاسترخاء، وأتذكر عندما جاء الشيطان للإمام أحمد وهو في سكرات الموت، وقال له: "نجوت مني يا أحمد"، فقال رحمه الله: "أبدا حتى تطلع الروح".

خامسا: الدعاء طوال الليل: "اللهم نجني من نفسي، واكفني شر نفسي" من أجمل اللطائف فعلا، وقال أحد التابعين: أوصيكم بمن أعيته نفسه أن يكثر من قول "حسبي الله ونعم الوكيل"، ونحن نتغافل كثيرا عن مسألة الدعاء، وهو من أكبر المعينات على التخلص من العيوب والأخطاء النفسية.

أخي الكريم نحن بحاجة فعلا إلى عدم اليأس وتكرار التطلع والمحاولة للإصلاح، ونحتاج للقراءة في أخبار الناجحين والمجاهدين والصابرين، ما أحوجنا لمثل هذه المشاركات، ولكم جزيل الشكر. مع تمنياتنا بالنجاح والتوفيق.