أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من
شرورا نفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له
ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لااله إلا الله وحده لا
شريك له واشهد إن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقة
وحبيبة بلغ الرسالة وادي الأمانة ونصح ألامه وكشف
الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مسلمون)
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا)
( زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ
به وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)ً
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
امابعد
فان اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله
علية وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلاله وكل ضلاله فى النار
عباد الله: تكلمنا في الخطبة السابقة عن الصلاة كاستجابة لأمر الله عز وجل وسبب إننا تكلمنا عن الصلاة لأنها هي المعيار الظاهر التي يحكم بها على أعمال العباد فان صلحت الصلاة صلح العمل وان فسدت فسد العمل أما اليوم سنتكلم على أمر من الأهمية بمكان هذا الأمر لو فعلت كل أنواع الطاعات من صلاة أو صوم أو زكاة أو حج أو عمال البر كلها بدون إخلاص لله ستاتى يوم القيامة ولم يقبل منك شئ لأنك لم تخلص العمل لله أو لم تتبع سنه النبي في العمل
عباد الله:فنحن في زمن نحن أحوج فيه إلى القوة؛و يغيب عن أذهاننا سلاح هام ، يحتاج إلى ضبط للنوايا، ورفع للهمم، وقصد لوجه الله تعالى في كل أمورنا، فبيده النصر، وهو القادر على العون والمدد فسلاح المؤمن هو الإخلاص، وهو سلاح واقٍ، يحميه من الهم والحزن واليأس والضياع والضعف والخيبة، ويجلب له السعادة وصلاح البال، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً لقد علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص، وصدق النية والوفاء، {فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}، والسكينة هي الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم، وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له
عباد الله:اعلموا إن النية تصحب المسلم في كل أحواله، في عباداته، وفي معاملاته، وفي علاقته بأهله، وفي علاقته بالآخرين، إنها النية الدالة على ما يكون بالخلق من محبة الله وإخلاص العمل له. إن الله -جل وعلا- يعلم سرّنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليه شيء من أحوالنا (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ?لسَّمَـواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) فكم من عمل كبير ضيعته النيات، فصار وبالاً على صاحبه، فسُحب على وجهه في النار؛ لأنه لم يقصد به وجه الله، وكم من عمل صغير سهل بسيط رفع الله به صاحبه إلى الجنان بسبب النية وحسن القصد؛ لأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، قال الربيع بن خثيم لأصحابه: "تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟! قالوا: لا، قال: الداء الذنوب والدواء الاستغفار والشفاء أن تتوب فلا تعود
عباد الله: اعلموا إن الإخلاص في القول العمل فضل من الله يتفضل به على من يشاء من عبادة فهذا الإخلاص يقوى الإيمان وهذا الإخلاص يجعل العمل مستمرا وهذا الإخلاص يجعل العبد صادقا (يأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين
فالإخلاص هو صدق النية مع الله وهو شرط أساس في قبول الأعمال يقول تعالى :إلا لله الدين الخالص لذلك فالواجب على المسلم إن يقصد الله سبحانه وتعالى وحدة بالعبادة في قوله وعمله وهذا لايتم إلا بإخلاص النية والقصد والإرادة لله وتخليصها من كل غرض دنيوي قال الله تعالى مخاطبا نبيه الكريم (قل إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين وقال أيضا فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربة أحدا وهذه الايه بينت إن ركن العمل وشرط صحته إنما هو الإخلاص وأيضا يوجد أمر ثاني لقبول العمل إلا وهو الإتباع فاعلم آخى إن اى عمل لايقبل إلا بهذين الشرطين الإخلاص والإتباع إتباع النبي صل الله علية ويسلم فهذان الشرطان ميزان الأعمال والعبادات التي يعملها المرء فالإخلاص يعتبر ميزان باطن لأنه يتعلق بالقلب والإتباع ميزان ظاهر لأنه يتعلق بالجوارح (من عمل عملا ليس علية أمرنا فهو رد علية لذلك تجد الناس بحسب هذين الأمرين الإخلاص والإتباع منقسمون إلى أربعة أقسام
القسم الاول :من لااخلاص لهم ولامتابعة مثل المبتدع المرائى فهؤلاء عملهم ليس خالص لوجة الله وليس موافق لهدى النبى صل الله علية وسلم وهذا حال المتزينين للناس المرائين لهم بما لم يشرعة الله ورسوله صل الله علية وسلم فهؤلاء شرار الخلق وابغضهم الى الله عز وجل ولهم اوفر النصيب من قول الله تعالى :لاتحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون إن يحمدوا بما لم يفعلو فلاتحسبنهم بمفازة عن العذاب ولهم عذاب اليم )يفرحون بما اتوا من البدعة والضلاله والشرك ويحبون إن يحمدوا بالسنة والاخلاص
القسم الثاني:-

قومٌ أخلصوا أعمالهم لله تعالى، لكنها على غير هدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛؛
وهذه هي حال الذين يحرصون على إصلاح النيات
ولا يحرصون على إصلاح العمل، فهم يعملون لله من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ، وقد يكونون ممن يَدْعون إلى الله لكنهم في معزلٍ عن القيام بهذه العبادات على وفق هدْيِ الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا نُصِحوا وذكّروا قالوا: إن العبرة بالنية، وإن الأعمال بالنيات.
وهذا كلّه بسبب: جهلهم بشرطي قبول العمل ( لقد جاء نفرُ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السرّ؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكنّي أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منّي فانظروا إلى هؤلاء النفر من الصحابة

والذين لا نَشُكُّ في صلاح نياتهم، وأنهم أرادوا بعبادتهم وجه الله، إلا أن تلك العبادات التي قاموا بها لم تكن على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولذلك قام رسول الله صلى الله عليهم وسلم فأنكر عليهم، ولم يعذرهم بسبب صلاح نياتهم. وروى البخاري ومسلم
عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن أبا بُردة بن نَيِار ضحّى قبل الصلاة ـ أي: قبل صلاة العيد ـ فقال له رسول الله صلى الله عليهم وسلم: ( شاتُكَ شاةُ لحم )،
فقال: يا رسول الله إنّ عندي داجِناً جذعةَ من المعز قال:
( اذبحها ولن تصلح لغيرك، ثم قال: من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكُهُ وأصاب سنَّةَ المسلمين )،
وفي رواية عن أنسِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قا ل: ( من ذبح قبل الصلاة فَلْيُـعِد ). فنأخذ من هذا الحديث:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعذر أبا بُردةَ، مع العلم أن نيته صالحه لكنه ذبح الأضحية قبل صلاةِ العيد،
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح غيرها لأنه خالف السنة
القسم الثالث:-

قومٌ وافقوا هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم لكنها لم تكن خالصةً لوجه الله عز وجل؛؛
وهذه حال المرائين.
أعمالهم ظاهرها الصلاح لكنها ليست لوجه الله.
روى الإمام مسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:-
( إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه،
رجل استُشهد فأتي به فعرّفه نعمته فعرفها،
قال فما عملت بها؟
قال: قاتلت فيك حتى استشهدت
قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء!
فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار،

ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها
قال: فما عملت بها؟
قال: تعلمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن
قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال: عالم!
وقرأت القرآن ليُقال: قاريء! فقد قيل،
ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقِي في النار،

ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها
قال: فما عملت بها؟
قال: ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها لك إلا أنفقت فيها،
قال: كذبت،
ولكنك فعلت ليُقال: جواد! فقد قيل،
ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار ).

القسم الرابع:-

هم الذين أخلصوا عبادتهم لله، وتابعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛؛
لعلمهم أن الله لا يقبل العمل من عبده إلا إذا كان خالصاً لوجه الله وموافقاً لهدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فهؤلاء هم الذين حققوا معنى الشهادتين حقيقة.
لأن الإخلاص له علاقة بشهادة أن لا إله إلا الله،
والإتباع له علاقة بشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً قال الفضيل بن عياض رحمه الله:
" العمل الحسن: هو أخلصه وأصوبه،
قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل،
حتى يكونَ خالصاً صواباً.
والخالص ما كان لله تعالى، والصواب ما كان على السنة فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أعمالكم بالإخلاص والمتابعة.

واعلموا أن الإخلاص:
لا يكونُ إلا بعد تعظيم الله، ومعرفةَ التوحيد،
فإنّ كثيراً من الناس لما عظّموا المخلوقين في نفوسهم:
زّينوا أعمالهم لهم،
ولو عظّموا الله في نفوسهم لم تَلْتَفِتْ قلوبُهم لغير الله تعالى.

واعلموا أيضاً أن من أسباب الإخلاص:
معرفةُ هَوَانُ الدنيا، وقصر الأمل،
وتذكّرُ الموت وما بعده من عذاب القبر ونعيمه، والجنة والنار،
فإن حبَّ الدنيا والركونَ إليها
من أعظم الأسباب التي تُضعِفُ الإخلاص في قلب العبد.
واعلموا أيضاً أن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لا تكون إلا بالعلم النافع المستمدّ من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وما كان عليه السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فإنه يجب على كل من دعا إلى الله عز وجل
أن يربي الناس على هذين الأصلين العظيمين:
الإخلاص والمتابعة؛
لأن المجتمع إذا تربى على الإخلاص والمتابعة
حصل له عدّة ثمرات:-

الثمرة الأولى:-

سلامة المجتمع من الشرك.
لأن الإخلاص لا يكون إلا بعد معرفة التوحيد،
وترك الشرك بجميع أنواعه.

الثمرة الثانية:-

أنه بالإتباع يسلم المجتمع من البدع والخرافات؛
وهذا لا يكون أبداً إلا بالعلم النافع،
ومعرفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته.

الثمرة الثالثة:-

اجتماع القلوب وأُلفتها؛
فإن الناس إذا اختلفت مقاصدهم، واختلفت مناهجهم ومشاربهم، تفرقت قلوبهم وربما نتج عن ذلك أن يسفك بعضهم دم بعض.

إن سبب وجود الفرقة بين المسلمين
وانقسامهم إلى شيعٍ وأحزابٍ وجماعات:

هو تضييع هذين الأصلين العظيمين
لأنه بالإخلاص تتحد مقاصدهم
وبالإتباع تتحد مناهجهم وأعمالهم.
الثمرة الرابعة:-

التمكين في الأرض؛
فإن التمكين الذي يحبه الله لا يكون للمسلمين إلا إذا توفر فيهم هذان الأصلان.
قال تعالى:
( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنَّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأُلئك هم الفاسقو ن ).
عباد الله، لذلك لابد إن نعلم علم اليقين إنَّ العمل إذا كان لله فهو مقبول، وصاحبه مأجور عليه، وإن كان لغير الله فهو مردود على صاحبه، ويكون عليه وزرا، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، وفي الحديث القدسي: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه (رواه مسلم.لذلك لابد من معرفة ان تصحيح النيّة لله شرط في صحّة العمل وقبوله، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) متفق عليه عباد الله، إنَّ الإخلاص واجب في العبادات والطاعات التي يُقصَد بها التقرّب إلى الله فقد، ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: ((إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبا)) إنّ الصلاة مع الرياء جريمة، فبعدما فقدت روح الإخلاص أصبحت صورةً ميتة لا خير فيها، يقول تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ نعم، عندما يفقد المسلم الإخلاص في صلاته تصبح عبارة عن حركات وسكنات وهمهمات غير مفهومة، لاشيء فيها، فترى المُصلّي لا يعي شيئا ويفقد خشوعه ويسيطر عليه وسواسه، فلا يتذوّق حلاوة العبادة كذلك الزّكاة والصدقة، فإذا أخرجها المسلم مرضاةً لله قبِلت منه، وإن أخرجها رياء وسمعة أو ليستَميل بها قلوبًا أو يكسِب أنصارا فإنه لن ينال من ماله الذي أخرجه إلا ما كسبه من جزاء الدنيا، والله تعالى يمدح المتصدقين الذين لا يبغون من صدقاتهم جزاء ولا شكورا، ولا ينتظرون من الناس المدحَ والشكر، يقول تعالى: [b]إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا [الإنسان:9]، وقال أيضا: الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى كذلك الصوم فإن لم يقصد بصومه العبادةَ والتقرب إلى الله تعالى كان صومه جوعا وعطشًا أو إضرابا عن الطعام، ولم ينل من صومه إلا ما أصابه من جوع وعطش، يقول النبي [b]فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ((ربَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)) أخرجه ابن ماجه والدارمي. فإن أخلص صومه لربه أجزَل له الثواب وأعطاه أجرا عظيما، يقول النبي : ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه كذلك الحج، فإن قصد بحجه السياحة أو التجارة أو الحصول على مكانة دينية في نظر الناس فلن ينال من حجه إلا التعبَ وخسارة المال، وإن أخلص وبرّ في حجه فإن الجزاء يكون مضاعفا، يقول النبي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة عباد الله، اعلموا أنّ العبادة ليست وحدها تحتاج إلى صدق نية وإخلاص، بل إن المعاملات والعادات تحتاج إلى نيّة، وتصير طاعات وقربات إذا ارتبطت بنيات صادقة وأُريدَ بها وجه الله، فقد قال النبي [b]لسعد بن وقاص رضي الله عنه وهو يزوره في مرضه: ((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ، حتى ما تجعل في في امرأتك)) متفق عليه من حديث عامر بن سعد.عباد الله، إن الله ليجازي الصادقين بمجرّد نياتهم الصادقة حتى ولو لم يوفّقوا إلى العمل، فقد حدث في غزوةِ تبوك ـ وتسمى العُسرة ـ أن أتى قوم حبسهم الجُهد إلى رسول الله [b]، وطلبوا منه الذهاب معه والخروج للجهاد، فردهم النبي لأنهم عاجزون بدنيّا وماليّا، فعادوا وأعينهم تفيض من الدمع حزَنا على تخلّفهم عن الجهاد، فنزل فيهم القرآن كلاما يتلى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ [التوبة:92]، وقد سجل لهم ثواب المُجاهدين لصدق نياتهم فقال فيهم المصطفى : ((إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه؛ حبسهم العذر)) رواه البخاري وابن ماجه وبالمقابل تجد رجل اخر ياتى للنبى ويقول له يا رسولَ الله الرجلُ يبتغي الأجرَ والذكرَ مَا لَه؟" قال:" لا شيء له" فسأله الرجل مرة ثانية " الرجل يبتغي الأجر والذكر ما له؟" قال :" لا شيء له" حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال :" إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتُغي به وجهه" رواه الحاكم. أي أنّ من نوى بعمل الطاعة الأجرَ من الله والذكرَ من الناس فليس له من الثواب شيء.فلذلك عباد الله لابد إن نتاجر مع الله بالنية الخالصة الصادقة فكم من عمل صغير اصبح عظيم بالنية وكم من عمل عظيم اصبح هباء منثور بالنية فنعوذ بالله إن نكون من الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ونعوذ بالله إن نكون من الذين قال الله فيهم وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا لذلك عباد الله لابد لنا ان نحذر من الرياء لان الرياء محبط للعمل
فالرياء هو العمل بالطاعة طلباً لمحمدة الناس. فمن عمِل عَمَل طاعةٍ وكانت نيته أن يمدحه الناس وأن يذكروه بأفعاله فليس له ثواب على عمله هذا بل وعليه معصية كبيرة ألا وهي معصية الرياء.
وقد سمّى الرسول عليه الصلاة والسلام الرياءَ الشركَ الأصغر، شبهه بالشرك الأكبر لعظمه. فالرياء ليس شركاً يخرج فاعله من الإسلام بل هو ذنب من أكبر الكبائر.
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} وقال تعالى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} وقال عليه الصلاة والسلام: "اجتنبوا الرياء فإنه الشرك الأصغر اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، واجعلها خالصة لك، صواباً على سنة رسولك اقول ماسمعت واستغفر الله لى ولكم
الخطبة الثانية : الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صل الله علية وسلم اما بعد
أيها الأخوة في الله: اعلموا أن الإخلاص ينافيه عدةُ أمورٍ من حب الدنيا والشهرة والشرف والرياء، والسمعة والعجب والرياء هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها، فهو يقصد التعظيم والمدح والرغبة أو الرهبة فيمن يرائيه وأما السمعة فهي العمل لأجل سماع الناس وأما العجب فهو قرين الرياء، والعجب أن يعجب الإنسان بعبادته ويرى نفسه بعين الإعجاب وكل هذه من مهلكات الأعمال وهناك أيها الأخوة مسالك دقيقة جداً من مسالك الرياء يوقع الشيطان فيها العبد المؤمن من حيث يشعر أو لا يشعر، وسأذكر لك بعضها لأن الحديث عن الرياء والعجب وغيرهما مما ينافي الإخلاص حديث طويل جداً، ولكن حسبي في هذا المقام أن أورد لك ثلاثة من تلك المسالك الدقيقة للرياء، وهذه المسالك غالباً يقع فيها الصالحون إلا من رحمه الله. أما أولها: فما ذكره أبو حامد الغزالي حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته، بحيث لا يريد الإطلاع، ولا يسّر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه. ووجد لذلك استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق من تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه. وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون وأما ثانيها: فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية وقصداً، فيجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله:- "حكى أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى وهذا مسلك خطير كما سمعت وقليل من يتفطن له والأمثلة عليه كثيرة من الواقع، فتجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة في أيام الاختبارات مثلاً كصيام النوافل وقيام الليل وكثرة الصلاة والخشوع، وقلبه منعقد على أنه إذا أكثر من العبادات سيوفق في اختباره أو سيفوز بوظيفة ما، فهذا بالحقيقة إنما أخلص للاختبارات وذلك أخلص للوظيفة ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس يذهب إلى المسجد ماشياً أو يحج كل سنة أو غير ذلك من العبادات التي فيها رياضة قد انعقد في قلبه أنه يفعل ذلك لينشط جسمه أو يحرك الدورة الدموية كما يقولون قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكيلة بل اجعل مشيك للمسجد وحجك وعبادتك خالصة لله تعالى، وهذه الأشياء تحصل حتماً دون أن تعقد عليها قلبك وأما ثالث هذه المسالك الدقيقة وهو ما أشار اليد الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: "ههنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح
اللهم أخلص قلوبنا لك، واجعل أعمالنا كلها ابتغاء وجهك،
ولا تجعل لأحد شيئًا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين.اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا بديع السموات والأرض : برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير اللهم اشرح صدورنا للإسلام، ونورها باليقين والإيمان، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا ونحن نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه، اللهم إنا نعوذ بك من الغفلة والذنوب ونسألك عفوك ورضوانك ورحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين ويا خير الغافرين اللهم إنا نسألك يا الله باسمك الأعظم، أن تحسن ختامنا، وتتوفانا وأنت راضٍ عنَّا، وأن لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ فإننا الفقراء والضعفاء المذنبون الغافلون المساكين اللهم لا تعذب قلوبًا توجهت إليك، ولا أعينًا بكت من خشيتك، ولا أرجلاً مشت في سبيلك، ولا أيادي امتدت لمرضاتك ولا ألسنًا لهجت بذكرك وتلاوة كتابك، ولا آذانًا أصغت بسماع دينك ولا تخيب نفوسًا تعرضت لرحمتك وغفرانك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين. اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن باب رحمتك مطرودين، اللهم ارزقنا إخلاصًا يباعدنا عن معاصيك ويقربنا إليك، اللهم انصر دينك، وأعلِ كلمتك، وأعزَّ أولياءك، وارفع رايتهم، وتولّ أمرهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا والمسلمين ومجتمعاتهم، وطهرها من كل فحشاء ومنكر، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا عباد الله: صلوا وسلموا على نبيكم؛ امتثالاً لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)