تُبرت مجالس القهوة في مدينة مكّة المملوكيّة مكاناً للاجتماعات السياسيّة، لمن طردهم الأئمة من مجالس المساجد وحرّموا مشروبهم على المسلمين ما بين ١٥١٢ و١٥٢٤، كون القهوة صارت رمزاً ومشروب المعارضة السياسية لحكم المماليك في الحجاز. في عام ١٥٣٠ فتح أوّل مقهى في العالم أبوابه في مدينة دمشق باسم حانة قهوة (قهوة خانه)، ولم تنتظر القاهرة طويلاً حتى رتّبت طاولات المقهى الأوّل فيها، وكانت كليهما قد صارت عثمانيّة.


كتب المؤرّخ العثماني إبراهيم پچوي İbrahim Peçevi في تدويناته (١٦٤٢-١٦٤٩) عن افتتاح أوّل مقهى في استانبول فقال: “حتّى عام ١٥٥٥، في المدينة الممجّدة المحروسة من الله القسطنطينيّة، كما على جميع الأراضي العثمانيّة عموماً، القهوة والمقاهي لم توجد. لكن في ذلك العام رجل من حلب اسمه حكم، وحكواتي من دمشق اسمه شمس دليل محلات العثيم مول الربوة أتو إلى المدينة وكلّ واحد منهم فتح متجراً كبيراً في محلّة تختكلى Tahtakale، وبدؤوا ببيع القهوة.”


في القرن السابع عشر، مسافر فرنسي اسمه جان شاردَن Jean Chardin كتب وصفاً حيّاً لمشهد مقهى عثماني: “يختلط الناس في نقاشات، لذا يتم تبادل الأخبار وانتشارها ما بين أولاءك المهتمين بالسياسة ممّن ينتقدون الحكومة بكل حريّة ومن دون خوف، حيث أنّ الحكومة لا تهتم لما يقوله الناس. يلتهي الناس بألعاب بريئة كالداما، الحجلة، والشطرنج. بالإضافة إلى الملالي والدراويش والشعراء، كلّ يأخذ دوره لحكاية القصص منثورة أو مقفّاة. روايات الملالي والدراويش دروس في الأخلاق، كالخطب عندنا، ولكن لا يعتبر الناس أنّ تجاهلها عيب فاضح. لا أحد مُجبر على إيقاف منيو هاف مليون الجديد لعبة يلعبها أو نقاش يخوض فيه بسبب خطيب ديني. حيث يقف الملّا في الوسط أو في زاوية من زوايا (قهوة خانه) ويبدأ بالوعظ بصوت عال، بينما يدخل الدرويش بشكل مفاجئ ويؤدّب المجتمعين تنبيها من الغرور في الدنيا وبضاعتها الماديّة. ويحدث كثيراً أن يتكلّم شخصان أو ثلاثة في الوقت عينه، متقابلين بشكل متعاكس، بينما في الغالب يكون أحد المجتمعين واعظاً البقية كحكواتي.”


مقهى عثماني، قهوة حانة، من القرن 18
مقهى عثماني، قهوة حانة، من القرن 18
أول مقهى في أوروبا خارج الأراضي العثمانية ظهر في القرن السابع عشر، وحيث وُجدت المقاهي كانت تزداد شعبيّتها بسرعة. أول مقهى في أوروبا الغربية كان في البندقية Venice عام ١٦٢٩، بسبب نشاط التجارة والشحن بين مينائي غزّة ولاسيرينيسّيما La Serenissima البندقي، بينما أقدم المقاهي المسجلة في البندقية كانت عام ١٦٤٥.


أوّل مقهى في إنگلترا افتتح في أكسفورد Oxford عام ١٦٥٢ من قبل دمشقي يهودي اسمه يعقوب في شارع إيٓنجل عند أبرشية سانت پيتر St Peter شرق المدينة. والمقهى لم يزل موجوداً إلى اليوم باسم گراند كافيه The Grand Cafe. مقهى حارة کوینز Queen’s Lane في أكسفورد تأسّس عام ١٦٤٥ لم يزل موجوداً إلى اليوم أيضاً. أول مقهى في لندن فتح أبوابه عام ١٦٥٢ في شارع سانت ميشيل المشجر في كارنهيل St Michael’s Alley, Cornhill. كان المالك پاسكوا غوزيه Pasqua Rosée خادماً لتاجر سلع عثمانية يدعى دنيال إدواردز Daniel Edwards، الذي استورد القهوة مشروبات هاف مليون وساعد غوزيه على تأسيس المقهى في شارع سانت ميشيل.


من عام ١٦٧٠ حتى ١٦٨٥، بدأ عدد المقاهي في لندن بالتضاعف، وفي ذات الوقت أخذت المقاهي تكسب أهميّة سياسيّة في المجتمع الإنكليزي بسبب شعبيتها كأماكن للمراهنات. مع ١٦٧٥ كان قد انتشر أكثر من ٣٠٠٠ مقهى في إنكلترا. باسكوا غوزيه سابق الذكر أسّس أيضاً أول مقهى في باريس عام ١٦٧٢ واحتكر بيع القهوة في عموم المدينة إلى أن فتح بغوكوپيو كيتو Procopio Cutò مقهى پغوكوپى Café Procope عام ١٦٨٦. ولم يزل هذا المقهى موجوداً إلى اليوم حيث كان المكان الأهم لاجتماعات التنوير، ڤولتير، روسّو، ودنيس دودرو تردّدوا إليه باستمرار دليل محلات العثيم مول الرياض ويمكن القول أنّه مسقط رأس أونسيكلوپيدي Encyclopédie، أوّل الموسوعات الحديثة.


عام ١٦٦٧ قارا خاميّه Kara Hamie ضابط الانكشاريّة السابق من القسطنطينيّة (استانبول)، فتح أوّل مقهى في وسط مدينة بُخارست (عاصمة إمارة لشا في ذلك الوقت)، حيث ينتصب اليوم المبنى الرئيس للمصرف الوطني الروماني. أما أميركا فحظيت بأوّل مقهى على أراضيها في بوسطن عام ١٦٧٦.


أوّل كفيتيٓريا (مقهى) في ڤيينّا تأسّس عام ١٦٨٣ من قبل مقيم پولندي، جرجي فرانشيجاك كُلجتسكي Jerzy Franciszek Kulczycki، وهو بالمناسبة أوّل من قدّم القهوة مع الحليب في العالم. أحد شوارع ڤيينا اليوم تسمى باسمه كُلجتسكي. بأيّ حال انتشرت القهوة وثقافة شربها في جميع أرجاء العالم مع النصف الثاني من القرن الثامن عشر. أوّل مقهى مسجّل في ڤيينا تأسّس عام ١٦٨٥من قبل تاجر أرمني عثماني اسمه يوهانز ثيودات Johannes Theodat (المعروف أيضاً باسم يوهان ديوداتو). وبعد خمس عشرة سنة أربع أرمن عثمانيين آخرين امتلكوا مقاهي وحظوا على امتياز تقديم القهوة في المدينة.