إن مواقف الصحابة - رضي الله عنهم - في تقديم النفس والمال جلية، فمن يقرأ سيرة أولئك الأعلام الذين اختارهم الله ليكونوا رِدْءَ رسول الله، والفئة التي دافعت عن الإسلام وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، يجد تعدد وتنوع الفدائية خلال سيرة الصراع مع المشركين، ففي كل غزوة وسرية نجد نماذج من الشجاعة والتضحية بالنفس والمال.
وحذيفة (أحد أولئك الأبطال الذين تمكن حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في قلوبهم؛ حتى أنه لا يشب أحدهم بصره إلى رسول الله إجلالاً وتعظيماً له، وهذا الإجلال ينبع من تمكن الإيمان في قلوبهم، وإدراكهم أن رسالة الحق التي بعث الله بها رسوله ليبلغها للناس، لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود رسول الله، ولهذا حين نزل قول الله - تعالى -: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (المائدة 3) أدركوا قرب فراقهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
وحذيفة بن اليمان من أقرب الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فهو موضع سره فقد أخبره عن أسماء المنافقين، فكان عمر بن الخطاب (لا يصلي على أحد لا يُصلي عليه حذيفة.
في غزوة الخندق حينما أجلبت قريش وحلفاؤها، وخانت اليهود مواثيقها، وحوصرت المدينة من جميع جهاتها، وتكالب مع العدو منافقو المدينة، الذين يرجفون ويبثون الإشاعات؛ ليوهنوا المسلمين، ويزرعوا الخوف فيهم؛ حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تحمل من الألم ما لم يتحمله غيره، فقد عانى من هذا التحالف بين كفار العرب واليهود، في فترة كان البرد قارصاً، مع ضعف في المؤنة والعتاد، فكان رسول الله ? بطل الأبطال، يمارس دوره لا قائداً بل جندياً يجهد نفسه في الحراسة، فقد روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها موقفاً من تلك المواقف، فقد كان يختلف إلى ثلمة في الخندق، فكان يذهب إلى تلك الثلمة، فإذا أخذه البرد جاء إلى عائشة فأدفأته في حضنها، فإذا دفيء خرج إلى تلك الثلمة.