صعوبات القراءة والكتابة لدى الأطفال

ناظم فوزي

أثبتت أبحاث عديدة أن ?50 من أطفال المرحلة التمهيدية و ?90 من الأطفال في الصف الأول لديهم القدرة على تقطيع الكلمات إلى أصوات أو مقاطع لفظية،. والأمر الآخر المؤكد هو وجود علاقة وثيقة بين الصعوبات اللغوية في سن الطفولة وبين صعوبات القراءة والكتابة في المراحل اللاحقة.
إن عملية تشخيص الطفل المصاب بعجز القراءة أو الكتابة يقوم بها عدد من المختصين، منهم المختص بعلاج مشاكل اللغة والكلام والمختص بالعلاج الوظيفي والأخصائي النفسي وأخصائي صعوبات التعلم الذي يقوم بتطبيق عدة اختبارات في هذا المجال لتحديد مكمن المشكلة، وقد يستغرق الأمر عدة أسابيع للوصول إلى جوهر المشكلة، فقد تكون في التمييز أو الإدراك البصري لدى الطفل وتسمى في هذه الحالة (ديسلكسيا بصرية) فنجد الطفل المصاب بها يعاني من مشاكل في الذاكرة البصرية وكذلك صعوبة تمييز (الخلفية والصورة) وقد تكون مشكلته في الإدراك السمعي وتسمى في هذه الحالة (ديسلكسيا سمعية) ويعاني الطفل في هذه الحالة من عدم القدرة على التمييز بين الأصوات أو الكلمات التي تختلف في حرف أو صوت لغوي واحد مثل: نحل = نخل أو تين = دين وقد تكون مشكلة مختلطة؛ بمعنى أن تكون سمعية بصرية في وقت واحد. وأحياناً نجد الطفل يعاني من مشاكل أخرى مثل مشكلة في التواجد المكاني والتواجد الزماني وكذلك في الوعي بالذات أو Body Image وتترافق صعوبة القراءة أو العجز القرائي كذلك مع مشكلة في الكتابة، وقد يعاني الطفل في هذه الحالة من ضعف في العضلات الدقيقة وتأخر في التناسق البصري الحركي Graphomotor وأحياناً تكون مشكلة الكتابة ناتجة عن سبب نفسي، بمعنى أن الكتابة بخط جميل ومرتب وواضح هي من صفات الكبار يقابلها رغبة الطفل بعدم النضوج.
نستطيع أن نقول إن الطفل مصاب بالعجز القرائي أو صعوبة تعلم الكتابة في حال كون المشكلة لا تعود بجذورها إلى أحد العوامل التالية:
1. وجود أمراض عضوية في حاسة السمع أو البصر.
2. وجود انخفاض في القدرات العقلية.
3. وجود ضعف تعليمي عام في صف الطفل.
4. حرمان بيئي ومادي وثقافي.

سمات الطفل المصاب بعجز أو صعوبة تعلم القراءة أوالكتابة
وفق ما ورد في الكتب والنشرات الصادرة عن مركز (أورتن ديسلكسيا) وهو من أشهر المراكز التي تهتم بتشخيص وعلاج صعوبات التعلم بما فيها القراءة والكتابة في السنة الدراسية الأولى ـ أي في سن 6 إلى 7 سنوات ـ نجد السمات التالية عند الطفل المصاب:
1. مشاكل في التطور اللغوي من نوع خاص وخصوصاً في مجال الفنولوجي Phonoloy وفي مجال القواعد اللغوية على مستوى الجملة أي ترتيب الكلمات في الجملة (Syatax).
2. صعوبة في التمييز بين الكلمات التي تختلف في حرف (أو صوت لغوي واحد) مثل: صور = سور.
3. صعوبة التمييز بين الأصوات المتشابهة التي تختلف في صفة واحدة مثل صفة التفخيم عند (س = ص) (ت ـ ط) أو صفة الجهر والهمس مثل (ن = د) (ش = ج).
4. صعوبة في التعرف على الأحرف أو تذكر شكلها.
5. صعوبة في ترتيب الأصوات في الكلمة المقروءة.
6. التقدم البطيء جداً في اكتساب مهارة القراءة والقراءة عند مقارنته مع الطلاب الآخرين في الصف.
7. صعوبة في التحكم بالعضلات الدقيقة ويظهر ذلك في القدرة على التحكم واستعمال الأدوات البسيطة مثل المقص أو الأدوات الأخرى في الصف.
8. يجد في بعض الأحيان صعوبة في التفريق بين يمين ويسار وكذلك بلبلة في تحديد اليد التي يستعملها.
9. صعوبة في تذكر التعليمات أو التوجيهات المركبة والتي تتكون من عدة خطوات.
10. صعوبة في السرد التلقائي للأحرف الهجائية.
11. صعوبة في التعامل مع بعض الألعاب مثل ألعاب التطابق والتتابع.
وفي مراحل دراسية لاحقة نجد السمات التالية بالإضافة إلى ما سبق ذكره:
12. القراءة على وتيرة واحدة Monotone دون استعمال الوقف والنبر مما يجعل النص المقروء غير واضح لكل من السامع والطفل.
13. القراءة بمستوى منخفض أو عدم التمكن من القراءة بشكل عام.
14. الخط عند الكتابة يكون غير منظور ومائلاً إلى جهة محددة، وقد ينسى بعض الأحرف أو يضيف نقاطاً إلى حروف أو يحذف نقاطاً من حروف وقد يقلب مكان الحروف في الكتابة.
15. صعوبة واضحة في استعمال صيغ القواعد المختلفة وخصوصاً في مجال مبنى الكلمة Morphology (فعل ماض أو مضارع ـ مفرد أو جمع ـ مؤنث أو مذكر).
16. كتابته الانشائية مختصرة جداً وقد لا تزيد عن كلمات أو جمل بسيطة جداً في محتواها.
17. وإذا حدث وتمكن الطفل من قراءة نص معين بشكل سليم نجد أنه لم يستوعب المفهوم أو الفكرة من هذا النص (مثل الذي يرى مجموعة أشجار بجانب بعضها ولا يرى الغابة).

من المهم أن نذكّر هنا بأن صعوبة القراءة تكون متزامنة مع صعوبة في الكتابة والعكس غير صحيح بمعنى أن بعض الأطفال يكون لديه صعوبة في الكتابة دون وجود صعوبة في القراءة وعند الطفل المصاب بصعوبة الكتابة فقط نجد السمات التالية في كتابته:
 الكتابة بأحرف متشابكة ومتداخلة وبشكل غير واضح.
 عدم ترك مسافة أو فراغ بين الكلمات.
 الكتابة فوق أو تحت السطر.
 الكتابة بأحجام مختلفة للحروف.. بعض الحروف يكتبها بحجم كبير والبعض الآخر بحجم صغير في الكلمة الواحدة أو في الكلمات المختلفة.
 الضغط الشديد على القلم.
 تغيير اتجاه كتابة الكلمات.
 تبديل أماكن الأحرف في الكلمة مثل (لبن تصبح بلن).
 مشكلة واضحة في استعمال النقاط على أو تحت الأحرف وخصوصاً عند الأحرف التالية: (خ ـ ج)، (د ـ ذ)، (ت ـ ب ـ ث).

العلاج والتدريب
تعلم الطفل القراءة والكتابة هي عملية لغوية معقدة، ولابد أن يسبقها تطور لغوي وخصوصاً تطور القدرة على التحليل والتمييز، بمعنى تمييز الأصوات والكلمات الصادرة عنه أو التي يسمعها وكذلك تمييز الأصوات والمقاطع اللفظية التي تتكون منها الكلمة المسموعة أو المكتوبة، بمعنى تقطيع الكلمة إلى أجزائها، على سبيل المثال كلمة (قلم) تتكون من (قَ ـ لم).
لقد أثبتت أبحاث عديدة أن ?50 من أطفال المرحلة التمهيدية و ?90 من الأطفال في الصف الأول لديهم القدرة على تقطيع الكلمات إلى أصوات أو مقاطع لفظية،. والأمر الآخر المؤكد هو وجود علاقة وثيقة بين الصعوبات اللغوية في سن الطفولة وبين صعوبات القراءة والكتابة في المراحل اللاحقة. لذلك، عند تدريب الأطفال الذين يعانون من مشاكل في القراءة والكتابة من المهم جداً البدء فيما يسمى الوعي الفنولوجي Phonological awareness.
في بداية اكتساب مهارة القراءة يقوم الطفل باتباع ما يسمى النظام التركيبي، وفي هذا النظام يتعرف الطفل على الحروف بشكلها المفرد ويربط هذه الحروف مع أصواتها ثم يقوم بتجميع أو تركيب هذه الحروف في كلمة ثم ربط هذه الكلمة بالمعنى، وبعد ذلك ربط الكلمات التي تتكون منها الجملة بعضها ببعض لفهم الجملة، لذلك يظهر عليهم البطء في القراءة.
وفي مرحلة لاحقة ينتقل الطفل إلى ما يسمى بالنظام الكلي في القراءة، بمعنى أن الطفل يتعرف على الكلمة المكتوبة كوحدة واحدة وليس مجموعة حروف ومن ثم ربطها بالمعنى، وفي هذه المرحلة يكون الطفل أسرع في القراءة ألا أنه في بعض الكلمات ـ وخصوصاً الجديدة عليه ـ يميل إلى استعمال النظام الأول.

مقترحات
وفيما يلي بعض الاقتراحات للتعامل مع مشكلة الكتابة والقراءة عند الأطفال:
1. من المهم جداً البدء في تدريب الطفل على تمييز الأصوات والمقاطع اللفظية التي تتكون منها الكلمة. في البداية، قد نطلب منه الدق على الطاولة بعدد المقاطع في الكلمة مثل كلمة باب (مقطع واحد = دقة واحدة) كلمة تفاحة (3 مقاطع = 3 دقات).. الخ.
بعد ذلك ندرب الطفل على التعرف على شكل الحرف وتذكر صوته واستعمال وسائل إيضاح لذلك، وقد أعجبتني طريقة أحد الزملاء في هذا المجال، فعندما يجد الطفل صعوبة في تذكر موقع النقطة عند الحروف (ج ـ خ) يشبه حرف (خ) بشيء يصدر صوتاً وكأن حجراً سقط على رأسه فيقول آخ..آخ، أما (ج) فإنها جائعة فالنقطة في بطن الحرف أي موقع الجوع ويربط كلمة جوع بحرف (ج).
وقد نربط الحرف مع صورة معينة يبدأ اسمها بهذا الحرف مثل (ج) نربطها بكلمة (جمل) ونضع صورة الجمل ونكتب حرف (ج) بلون مختلف، وبذلك يرتبط الحرف مع صورة معينة في مخيلة الطفل، وبالتدريب المستمر تختفي الصورة ويبقى الحرف.
أحد الزملاء يلجأ إلى ربط الحرف باسم معين مثل (س) = (صوت الأفعى)، (ز) = (صوت النحلة).. الخ.
2. من المهم كذلك أن نلجأ إلى استعمال حواس أخرى في التدريب على التمييز بين الحروف المختلفة بالإضافة إلى حاسة السمع ومن الممكن أن نلجأ إلى عمل مجسمات من الخشب أو الاسفنج أو البلاستيك لكل حرف وندع الطفل يتحسسها بيده مما يعطيه وسيلة أخرى لحفظ الحرف وشكله وتمييزه.
3. على المعلم تدريب الطفل على التمييز بين الأصوات القريبة أو المتشابهة مثل التمييز بين أصوات المد الطويلة وأصوات المد القصيرة.
4. بعد ذلك ننتقل في تدريب الطفل إلى مرحلة ربط الحروف مع بعضها بعضاً لتكوين مقاطع لفظية مثل: (ب + ا) = (با).
5. ثم ننتقل إلى تدريب الطفل على ربط المقاطع اللفظية لتكوين كلمات ونجد أمثلة عديدة في كتب الأطفال وخصوصاً كتب القراءة للمرحلة الدراسية الأولى.
6. وبالتدريج ندرب الطفل على قراءة الكلمة وربطها بالمعنى ثم الجملة ونزيد صعوبة الكلمات من ناحية تسلسل الأصوات وعدد المقاطع، وهذه أمثلة فقط ولكن في التدريب هناك طرق أخرى.
بقي أنه نقول إنه لابد من اشتراك عدد من المختصين في التدريب وخصوصاً المختص بعلاج مشاكل اللغة والكلام للعمل على الصعوبات اللغوية التي يعاني منها الطفل والمختص بالعلاج الوظيفي للعمل على مشاكل العضلات الدقيقة والتدريب على الكتابة.