التوكل والتواكل
قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله ،
فالنار صارت برداً و سلاماً على إبراهيم ،
و البحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى
و من آمن معه ، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب
بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول
أو الركون إلى الأسباب ،
فخالق الأسباب قادر على تعطليها،
و شبيه بما حدث من نبى الله موسى
ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة ،
عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - :
لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا ،
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
" ما بالك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا "،
و هذا الذي عناه سبحانه بقوله :
( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ
إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا )
" سورة التوبة : 40 ".
والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين
على الله – صلوات الله و سلامه عليه -
في يوم الهجرة و غيره ،
إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع،
و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد ،
و قد فسر العلماء التوكل فقالوا :
ليكن عملك هنا و نظرك في السماء ،
و في الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه –
قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها و أتوكل ،
أو أطلقها و أتوكل ؟
قال : "اعقلها و توكل "
رواه الترمذي و حسنه الألباني ،
وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء،
و إنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه
رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
و التوكل على الله يحرص عليه
الكبار و الصغار و الرجال و النساء ،
يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه و سلم
بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة ،
فلما فرغ قال له : ابن من أنت؟
فقال الغلام : أنا يتيم الأبوين ..
قال له الرجل : أما تتخذني أباً لك ..
قال الغلام : و هل إن جعت تطعمني ؟
قال له : نعم ..
قال : و هل إن عريت تكسوني؟
قال له : نعم ..
قال : و هل إن مرضت تشفيني؟
قال : هذا ليس إلي ..
قال : و هل إن مت تحييني ..
قال : هذا ليس إلى أحد من الخلق ..
قال : فخلني للذي خلقني فهو يهدين
و الذي هو يطعمني و يسقين، و إذا مرضت فهو يشفين ،
و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ..
قال الرجل : آمنت بالله ..
من توكل على الله كفاه ..
( فتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده )
و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك
و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى
منك إلا إليك "
رواه البخاري و مسلم
و كان يقول :
"اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت
و إليك أنبت و بك خاصمت ،
اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ،
أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون "
. رواه مسلم .
وفي سنن أبى داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ،
لا حول ولا قوة إلا بالله ،
فيقال له : حسبك ، قد هديت وكفيت ووقيت .
فيتنحى له الشيطان ، فيقول له شيطان آخر :
كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني -
المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 499
خلاصة حكم المحدث: صحيح
يتبع ..
مواقع النشر انشر موضوعك وهاتلو زوار